فصل: فصل في بيان حكم الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأما ما كان في غير بناءٍ ولا خيمة، فإنه ليس في حرز إِلا أن يكون عنده من يحفظه.
ونقل الميموني عن أحمد: إِذا كان المكان مشتركًا في الدّخول إِليه، كالحمام والخيمة لم يقطع السارق منه، ولم يُعتَبَر الحافظ: ونقل عنه ابن منصور: لا يقطع سارق الحمام إِلا أن يكون على المتَاع أجير حافظ.
فأما النبّاش، فقال أحمد في رواية أبي طالب: يقطع، وبه قال مالك، والشافعي، وابن أبي ليلى.
وقال الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة: لا يقطع.
فأما موضع قطع السارق، فمن مَفْصِل الكَفِّ، ومِن مَفْصِلِ الرِّجْلِ.
فأما اليد اليُسرى والرجل اليُمنى فروي عن أحمد: لا تقطع، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعلي، وأبي حنيفة، وروي عنه: أنها تقطع، وبه قال مالك، والشافعي.
ولا يثبت القطع إِلا باقراره مرتين، وبه قال ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وأبو يوسف.
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: يثبت بمرّة.
ويجتمع القطع والغرم موسِرًا كان أو معسرًا.
وقال أبو حنيفة: لا يجتمعان، فإن كانت العين باقية أخذها ربُّها، وإِن كانت مستهلكة، فلا ضمان.
وقال مالك: يضمنها إِن كان موسرًا، ولا شيء عليه إِن كان معسرًا.
قوله تعالى: {نكالًا من الله} قد ذكرنا «النكال» في «البقرة».
قوله تعالى: {والله عزيز حكيم} قال سعيد بن جبير: شديد في انتقامه، حكيم إِذ حكم بالقطع، قال الأصمعي: قرأت هذه الآية، وإِلى جنبي أعرابيٌ، فقلت: والله غفور رحيم، سهوًا، فقال الأعرابي: كلام مَن هذا؟ قلت: كلام الله.
قال: أعد فأعدت: والله غفور رحيم، فقال: ليس هذا كلام الله، فتنبهت، فقلت: والله عزيز حكيم.
فقال: أصبت، هذا كلام الله.
فقلت له: أتقرأ القرآن؟ قال: لا.
قلت: فمن أين علمت أني أخطأت؟ فقال: يا هذا عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع. اهـ.

.من فوائد ابن كثير في الآية:

قال رحمه الله:
يقول تعالى حاكمًا وآمرًا بقطع يد السارق والسارقة، وروى الثوري عن جابر بن يزيد الجُعْفي، عن عامر بن شراحيل الشعبي؛ أن ابن مسعود كان يقرؤها: «والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما». وهذه قراءة شاذة، وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقًا لها، لا بها، بل هو مستفاد من دليل آخر. وقد كان القطع معمولا به في الجاهلية، فقُرِّرَ في الإسلام وزيدت شروط أخَر، كما سنذكره إن شاء الله تعالى، كما كانت القسامة والدية والقرَاض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه، وزيادات هي من تمام المصالح. ويقال: إن أول من قطع الأيدي في الجاهلية قريش، قطعوا رجلا يقال له: «دويك» مولى لبني مُلَيح بن عمرو من خُزَاعة، كان قد سرق كنز الكعبة، ويقال: سرقه قوم فوضعوه عنده.
وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئًا قطعت يده به، سواء كان قليلا أو كثيرًا؛ لعموم هذه الآية: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فلم يعتبروا نصابًا ولا حِرْزًا، بل أخذوا بمجرد السرقة.
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد المؤمن، عن نَجْدَة الحَنَفِي قال: سألت ابن عباس عن قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} أخاص أم عام؟
فقال: بل عام.
وهذا يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء، ويحتمل غير ذلك، فالله أعلم.
وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده». وأما الجمهور فاعتبروا النصاب في السرقة، وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره، فذهب كل من الأئمة الأربعة إلى قول على حِدَةٍ، فعند الإمام مالك بن أنس، رحمه الله: النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصة، فمتى سرقها أو ما يبلغ ثمنها فما فوقها وجب القطع، واحتج في ذلك بما رواه عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مِجَن ثمنه ثلاثة دراهم. أخرجاه في الصحيحين.
قال مالك، رحمه الله: وقطع عثمان، رضي الله عنه، في أتْرُجَّة قُوِّمَت بثلاثة دراهم، وهو أحب ما سمعت في ذلك. وهذا الأثر عن عثمان، رضي الله عنه، قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عَمْرة بنت عبد الرحمن: أن سارقًا سرق في زمان عثمان أترجة، فأمر بها عثمان أن تُقَوم، فَقُومَت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهمًا بدينار، فقطع عثمان يده.
قال أصحاب مالك: ومثل هذا الصنيع يشتهر، ولم ينكر، فمن مثله يحكى الإجماع السُّكوتي، وفيه دلالة على القطع في الثمار خلافًا للحنفية. وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافًا لهم في أنه لابد من عشرة دراهم، وللشافعية في اعتبار ربع دينار، والله أعلم.
وذهب الشافعي، رحمه الله، إلى أن الاعتبار في قطع يد السارق بربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعدًا. والحجة في ذلك ما أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم، من طريق الزهري، عن عَمْرة، عن عائشة، رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا».
ولمسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عَمْرة، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا».
قال أصحابنا: فهذا الحديث فاصل في المسألة ونص في اعتبار ربع الدينار لا ما ساواه. قالوا: وحديث ثمن المجن، وأنه كان ثلاثة دراهم، لا ينافي هذا؛ لأنه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهمًا، فهي ثمن ربع دينار، فأمكن الجمع بهذه الطريق.
ويروى هذا المذهبُ عن عُمَر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم. وبه يقول عمر بن عبد العزيز، والليث بن سعد، والأوزاعي، والشافعي، وأصحابه، وإسحاق بن راهويه- في رواية عنه- وأبو ثور، وداود بن علي الظاهري، رحمهم الله.
وذهب الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه- في رواية عنه- إلى أن كل واحد من ربع الدينار والثلاثة دراهم مَرَدٌ شرعي، فمن سرق واحدًا منهما، أو ما يساويه قطع عملا بحديث ابن عمر، وبحديث عائشة، رضي الله عنهما، ووقع في لفظ عند الإمام أحمد، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك» وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، والدينار اثني عشر درهمًا. وفي لفظ للنسائي: لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن. قيل لعائشة: ما ثمن المجَن؟ قالت: ربع دينار.
فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم، والله أعلم.
وأما الإمام أبو حنيفة وأصحابه: أبو يوسف، ومحمد، وزُفَر، وكذا سفيان الثوري، رحمهم الله، فإنهم ذهبوا إلى أن النصاب عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة. واحتجوا بأن ثمن المجن الذي قطع فيه السارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان ثمنه عشرة دراهم. وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن نُمَير وعبد الأعلى وعن محمد بن إسحاق، عن أيوب بن موسى، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان ثمن المجن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم.
ثم قال: حدثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقطع يد السارق في دون ثمن المِجَن». وكان ثمن المجن عشرة دراهم.
قالوا: فهذا ابن عباس وعبد الله بن عمرو قد خالفا ابن عمر في ثمن المجن، فالاحتياط الأخذ بالأكثر؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
وذهب بعض السلف إلى أنه تُقْطَعُ يدُ السارق في عشرة دراهم، أو دينار، أو ما يبلغ قيمته واحدًا منهما، يحكى هذا عن علي، وابن مسعود، وإبراهيم النَّخَعي، وأبي جعفر الباقر، رحمهم الله تعالى.
وقال بعض السلف: لا تقطع الخمس إلا في خمس، أي: في خمسة دنانير، أو خمسين درهمًا. وينقل هذا عن سعيد بن جبير، رحمه الله.
وقد أجاب الجمهور عما تمسك به الظاهرية من حديث أبي هريرة: «يَسْرقُ البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» بأجوبة:
أحدها: أنه منسوخ بحديث عائشة. وفي هذا نظر؛ لأنه لابد من بيان التاريخ.
والثاني: أنه مؤول ببيضة الحديد وحبل السفن، قاله الأعمش فيما حكاه البخاري وغيره عنه.
والثالث: أن هذا وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلى الكثير الذي تقطع فيه يده، ويحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الإخبار عما كان الأمر عليه في الجاهلية، حيث كانوا يقطعون في القليل والكثير، فلعن السارق الذي يبذل يده الثمينة في الأشياء المهينة.
وقد ذكروا أن أبا العلاء المَعرِّي، لما قدم بغداد، اشتهر عنه أنه أورد إشكالا على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار، ونظم في ذلك شعرًا دل على جهله، وقلة عقله فقال:
يَدٌ بخمس مئين عسجد وديَتُ ** ما بالها قُطعَتْ في رُبْع دينار

تَناقض ما لنا إلا السكوت له ** وأن نَعُوذ بمَوْلانا من النارِ

ولما قال ذلك واشتهر عنه تَطَلّبه الفقهاء فهرب منهم. وقد أجابه الناس في ذلك، فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي، رحمه الله، أنه قال: لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت. ومنهم من قال: هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة، فإنه في باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار لئلا يُجْنى عليها، وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار لئلا يتسارع الناس في سرقة الأموال، فهذا هو عين الحكمة عند ذوي الألباب؛ ولهذا قال تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي: مجازاة على صنيعهما السِّيئ في أخذهما أموال الناس بأيديهم، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك {نَكَالا مِنَ اللَّهِ} أي: تنكيلا من الله بهما على ارتكاب ذلك {وَاللَّهُ عَزِيزٌ} أي: في انتقامه {حِكِيمٌ} أي: في أمره ونهيه وشرعه وقدره. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فال ابن السائب نزلت في طعمة بن أبيرق وقدمنا قصته في سورة النساء وإنما سمي السارق سارق لأنه يأخذ الشيء الذي ليس له أخذه في خفاء ومنه استرق السمع مستخفيًا والسارق هنا مرفوع بالابتداء لأنه لم يقصد واحد بعينه إنما هو كقولك من سرق فاقطع يده والمراد باليد المذكورة هنا اليمين.
قاله الحسن والشعبي والسدي وكذلك هو في قراءة عبد الله بن مسعود: فاقطعوا أيمانهما.
وإنما قال: أيديهما ولم يقل يديهما، لأنه أراد يمينًا من هذا ويمينًا من هذه فجمع فإنه ليس للإنسان إلا يمين واحدة وكل شيء موحد من أعضاء الإنسان إذا ذكر مضافًا إلى اثنين فصاعدًا جمع والمراد باليد هنا الجارحة وحدها عند جمهور أهل اللغة من رؤوس الأصابع إلى الكوع فيجب قطعها في حد السرقة من الكوع.
وقوله تعالى: {جزاء بما كسبا} يعني ذلك القطع جزاء على فعلهم {نكالًا من الله} يعني عقوبة من الله: {والله عزيز} في انتقامه ممن عصاه {حكيم} يعني فيما أوجبه من قطع يد السارق.

.فصل في بيان حكم الآية:

وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اقتضت هذه وجوب القطع على كل سارق وقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السرقة (ق).